LightDark
U.S President Trump

ترمب والعالم …كيس الزجاج المكسور

إميل أمين

كاتب مصري

في أقل من شهر منذ عودته إلى البيت الابيض، بات الأميركيون والعالم من وراءهم يتساءلون : هل قام الرئيس ترمب بنثر كيس من الزجاج الكسور داخل الولايات المتحدة وخارجها ؟ وإذا كان قد فعل ذلك فلماذا، وما الهدف من تلك الجراح التي ستحدثها قطع الزجاج الحادة، حتى وإن لم تؤد إلى  خطر الموت ؟

المؤكد أن الجواب ليس باليسير، سيما أن سيد البيت الأبيض ليس الرجل المتوقع، فلا أحد يعرف فيما يفكر ، ولا ماهية  خطوته القادمة، وهل ستجمع الشمل العالمي أم تفرقهم ؟

هل هناك مصلحة لواشنطن في الدخول مع العالم في حالة من الفوضى والإرتباك؟

الذين قدر لهم الإحاطة بإستراتيجية  الأمن القومي التي أصدرها  الرئيس جو بايدن في أكتوبر 2022 يدركون أن هناك تحديات جيوسياسية  تواجه أميركا كقطب يريد البقاء فوق قمة هرم النظام الدولي من جهة،  وتحديات أممية تتشارك فيها مع بقية العالم، ولا يمكنها أن تنعزل عنها ، أي تلك التي تتجاوز الحدود ،  ولديها المقدرة على  العبور إليها والقفز فوق محيطين ، مثل التغير المناخي ،  وانعدام الأمن الغذائي  والأوبئة  المتنقلة ، ونقص الطاقة 

ماذا يعني هذا الحديث؟

 باختصار غير مخل ، يفيد بان الزجاج المنثور، لن يلحق الضرر فقط بالعالم الخارجي ، بل بالداخل الأميركي ايضا ، وفي هذا  تأثير سيئ على  بقية  العالم لما لواشنطن من دور قيادي وريادي غير مشكوك فيه

 يمكن للمرء أن يختلف كثيرا وطويلا جدا مع الكثير من السياسات الأميركية، لكنه لا يمكن أن ينكر دورها الكبير في استقرار النظام العالمي بعد الحرب العالمية  الثانية ، وطوال أربعة عقود من الحرب الباردة، وثلاثة عقود ونصف من النظام العالمي الجديد بحسب الرئيس جورج بوش الأب

 نجحت واشنطن  في دعم المؤسسات الدولية  مثل الأمم المتحدة، كما كانت ركيزة لنظام بريتون وودز الاقتصادي بركيزتيه صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وكلاهما أرسيا  نوعا من ثبات النظام المالي العالمي

لعبت اميركا  دورا رائدا ومتقدما في إعادة إعمار أوروبا  بعد الدمار الذي لحق بها من جراء الحرب العدمية  الثانية، كما شاركت الوكالة الدولية الأميركية للإغاثة والتنمية في استنهاض قوى الكثير من الدول النامية

أثبتت واشنطن  حضورها  الأممي الناجع ضمن سياق المؤسسات ذات المسحة  الإنسانية ، لا سيما منظمة الصحة  العالمية والتي تعد الشريك الأكبر في تمويلها

.ما جنب العالم الكثير من أهوال الأوبئة  عبر ما قدمته من أمثال ولقاحات كافحت أمراض متوطنة مثل الملاريا والكوليرا والتيفويد وغيرهم

 قدمت أميركا لا سيما في النصف الأول من القرن العشرين، نموذجا رائدا للديمقراطية  والدفاع عن الحريات  وحقوق الإنسان، ما جعل منها حلما يتطلع إليه الملايين حول الكرة الأرضية

 وفي هذا  الإطار تحديدا، يمكن لكاتب شرق أوسطي أن يتذكر دورها في التوصل إلى  أول معاهدة سلام في المنطقة بين مصر وإسرائيل، ما أنهى  حروبا دامية استمرت  لأربعة عقود ، الأمر الذي فتح الباب لاحقا لرؤى  سلام تنهي النزاع العربي الإسرائيلي، أو هكذا  تخيل الجميع

ولعله من الصعب في سطور قليلة  أن يحيط المرء بالأضواء التي سلطات على الولايات المتحدة، ما جعل منها بالفعل مدينة فوق جبل ،  ودولة استثنائية ، كما تفاخر وتجاهر أدبيتها السياسية ، والكثير منها وعن حق صحيح

لقد نظر العالم القديم إلى  الولايات المتحدة على أنها قوة تحرير، في مواجهة ظلاميات النازية والفاشية  بداية، والشيوعية ومتاريسها الحديدية لاحقا

التساؤل المثير وربما المحبط هنا :” كيف وصلت  أميركا وبنوع خاص منذ بداية الألفية الثالثة  إلى  هذا الوضع الذي يعتبره الكثير من المراقبين الأميركيين الداخليين، بداية  انحدار أدبي، لن يلبث أن تستتبعه تراجعات مادية  ،حتى وإن بدت البلاد في الوقت الحاضر تعكس ما هو خلاف ذلك؟

أحد المشاهد الداخلية التي تظهر للعالم أن أميركا اليوم غير التي عرفها العالم من قبل، حالة  العمل السياسي، ذاك الذي انتقل من مربع التنافس الشريف، إلى  خانة  الإحراب الاهلي برسم العرق والدين والطائفة

أما الأمر الذي بات يشكل خطورة  حقيقية  على  مسارات ومساقات الديمقراطية  الداخلية ، فيتمثل في صعود تيار الأوليجارشية السياسية، أي النخبة التي تمتلك رؤوس الأموال، وتتلاعب بالمقدرات الديمقراطية ،  الامر الذي حذر منه الرئيس السابق جو بايدن في خطابه الوداعي، وتجلى بقوة في حفل تنصيب الرئيس ترمب، والذي ظهر من خلفه رجالات مثل ايلون ماسك، وجيف بيزوس،  ومارك زوكربيغ ، بجانب رؤساء مجالس إدارة شركات عالمية  عابرة للقارات مثل جوجل وأبل وغيرهم، وجميعهم باتوا اليوم يشكلون القرار السياسي للرئيس ترمب

هل ينثر ترمب الزجاج المكسور قصدا لكي يثير الغبار ،  بما يسمح له بتغيير شكل أميركا الداخلي ؟

 منذ الساعات الأول له في البيت الأبيض ،  والقرارات التنفيذية التي يتخذها ترمب تثير الجدل في الداخل والشغب في الخارج، ولا نتجاوز الحقيقية إن قلنا أنها تنشر الفوضى في أرجاء العالم

 خذ إليك بداية ما يجري من محاولات لإقصاء الالاف من الموظفين الفيدراليين، ودفعهم للاستقالة من اجل تمكين  صحبته من الإمساك بزمام كافة شؤون الحكومة الفيدرالية ،  بل بلغ الأمر حد التفتيش في أوراق البنتاغون الداخلية  وحساباته المالية ، عطفا على  إقصاء العشرات من كبار عملاء مكتب المباحث الفيدرالية

 هنا وبعيدا  عن المخاطر التي يمكن أن تنجم عن مثل هذه الرؤية الأحادية، يرتفع الضجيج  حول سياسات ترمب تجاه الاصدقاء والاعداء دفعة واحدة

 بدأ  سيد البيت الأبيض رؤاه قبل أن يدخل البيت الأبيض ، عبر الحديث عن انضمام كندا  كولاية  أميركية ، وأتبع ذلك بفكرة  بسط الهيمنة على قناة بنما كضرورة آنية لمواجهة التوسع والتمدد الصيني ، ومن غير أن يغفل مشاركة  المكسيك

زجاج ترمب المكسور لم يخلف القارة  الأوروبية، حيث الحلفاء الأكثر موثوقية  بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية،  وهناك خرج عليهم بقصة  حتمية شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك لأهميتها للأمن القومي القطبي الأميركي

 أما عن الصراع الاقتصادي مع  بقية  أرجاء العالم فقد طال المكسيك وكندا أولا ، ثم الصين  تاليا ، وهناك عودة  مؤكدة  لأوروبا تاليا

الزجاج المخيف ، وليس المكسور فحسب، يتركه الرئيس ترمب في الشرق الأوسط من خلال الاقتراح الذي وصف الكاتب الأميركي ، توماس فريدمان ، عبر صحيفة النيويورك تايمز، بأنه الأغبى  والأخطر عبر كافة مسارات السعي إلى السلام الشرق أوسطي ، ومنذ أن نجحت إدارة كارتر في التوصل إلى كامب ديفيد ، ونعني به إقتراح  الهيمنة  على  قطاع غزة وتهجير سكانها إلى مصر والأردن،  الأمر الذي يصيب اتفاقيات السلام مع القاهرة وعمان في القلب ،  ويقطع الطريق على  بقية الأحلام الأميركية بسلام يشكل كافة  دول المنطقة

يحار المرء في فهم توجهات إدارة ترمب في الداخل وهل تمضي وراء نهج من التسلط الأحادي المخيف،  ورؤاه للخارج التي تنهي استقرار النظام الدولي وتفتح الطريق واسعا  للمجهول الغير قادر أن يطل بوجهه على  عالمنا المعاصر حتى الساعة، وقبل أن يوجد البديل

 يتحدث الرئيس ترمب عن رغبته في أن تتوج مسيرته بجائزة نوبل للسلام ،  غير أن هذا يتطلب منه أن يلقي النرد، فيحصل على  الستات وليس عيني الافاعي كما يقول فرنسيس فوكاياما . والخلاصة العالم مع أميركا يئن  ومن غيرها يتألم ..نسال الله الرشد والهداية  للجميع في الحال والاستقبال

عن المؤلف

إميل أمين: كاتب وباحث سياسي، خبير في الشؤون الأميركية، وتاريخ حاضرة الفاتيكان، ناشر ورئيس تحرير صحيفة الحقيقة بالولايات المتحدة الأميركية سابقا ، مؤلف العديد من الكتب منها ” فرنسيس فقير وراء جدران الفاتيكان”، الدولة الأميركية العميقة، ذئاب في ثياب حملان معلق تلفزيوني على شبكات الأخبار الدولية العربية والأجنبية. وكاتب رأي في صحيفة الشرق الأوسط

One Comment

  • إميل أمين

    شكرا جزيلا على تكرمكم بنشر المقال…امتياتي لكم بكل التوفيق